لماذا تغير العالم؟
المشهد الاجتماعي والسياسي في اغلب دول العالم يتعرض لتغيرات سريعة وقوية.
سريعة من حيث تغير المزاج الاجتماعي لمجموعات كبيرة من الناس واتجاهها نحو العنصرية والشوفينية.
وقوية من حيث تجلي هذا التغيير في نماذج سياسية ادت، وسوف تؤدي، الى وصول رؤوساء شعبويين الى سدة الحكم في عدد كبير من البلدان.
قد لا يتسع مقال صغير لشرح اسباب ها التحول بشكل كامل، وربطه بالتاريخ من بدايات هذا القرن، ولكن في ما يلي بعض الإضاءة على بعض الاسباب:
– اولا تسارع وتيرة العولمة، التي ادت الى زيادة الاحتكاك بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، وبين الاديان والمذاهب بمختلف أشكالها، وادت الى زيادة الهوة الاجتماعية بين الطبقات الثرية والفقيرة، والى ازدياد الشعور بالعجز وعدم الثقة بالمستقبل.
– ترافق ذلك مع ازمة اقتصادية كاسحة، كشفت الوجه الحقيقي للرأسمالية، في طورها الحالي (ما فوق القاري او الاممي) مع طرق غير قانونية في التحكم بمدخرات الناس، واحوالهم الاقتصادية، وحرص شديد من الحكومات الكبرى على التمسك بالشركات الدولية المالية والتقنية، وشركات الطاقة والغذاء، بدل الاهتمام بأحوال الناس العادية، وضماناتهم الاجتماعية التي تطلبت عقوداً من النضال من اجل الوصول اليها.
– فشل مشروعات اليسار السياسي، على اختلاف انواعه، اليسار الاشتراكي والوسطي والليبرالي، وبدت قيادته ضعيفة ومترددة وخائفة، في التصدي لمشاكل العالم الحقيقية ولم تقدم للناس غير الخطابات الفارغة، ولم تجرؤ على القيام بأي أفعال، سواء لا على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي، مما ساهم في دفع المزاج العام الى اليمين.
– حالة المزاج العالمي للرجل الابيض ذي الثقافة المسيحية، من ضعف وضعه الاجتماعي والسياسي، إلى ازدياد الاحتكاك بينه وبين الملونين والاغراب غير المماثلين له في الدين والعقيدة واللغة، وقد تتوج ذلك بوصول باراك اوباما الى رئاسة اعلى سلطة في العالم، وهوالاسود الافريقي الأصل غير الواضح في التوجهات الدينية والثقافية.
– بروز روسيا البوتينية، على المسرح السياسي العالمي لاسباب مختلفة، وقد دفعت قيادة بوتين القوية والصارمة الكثيرين الى محاولة التشبه بهذا النموذج، الذي يعيد الى الاذهان القادة التاريخيين لاحزاب فاشية ونازية او قريبة منها، حاولت ان تحل مشاكل الدول والشعوب عن طريق الديكتاتورية والقمع الداخلي والحروب الخارجية.
– يبقى موضوع الهجرة من الجنوب الى الشمال، من قوس الازمات الى قوس قزح النعيم، على امتداد الكون من المكسيك الى استراليا، مرورا بشرق افريقيا وشرق المتوسط وافغانستان وآسيا الوسطى.
لا بد ان نشير الى ان القوى الليبرالية وتحديدا في اوروبا، ما زالت تحاول ان تحافظ على تاريخها وقيمها، ولقد استطاعت في فرنسا (مثلاً) ان توقف الدفع اليميني المتطرف وان تساهم في حفظ الموقع ذاته، ولو بشكل أضعف في المانيا، وهذا دليل جدي على ان اللحظات الشوفينية وفترات التعصب والحقد البشري ما هي الا مراحل مؤقتة، تأتي على شكل ردات فعل قد تطول او تقصر، ولكنها في النهاية الى زوال في مسيرة البشرية.