طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

«النثـر هو النثـر… والشعر هو الشعر، ولست خصماً للشعر النثـري إذا حصل على رضا القارىء»… رحل الكاتب والشاعر والمقاول «أبو أيوب» متسائلاً: ما طعم الحياة بلا حبّ!

غلاف ديوان الراحل الياس أيوب «أبو أيوب»

تحتار من أين تبدأ الحديث عن الياس أيوب (ابو ايوب) الشاعر والأديب ورجل الأعمال والمقاول الذي له الباع الطويل في العلاقات والاتصالات مع المرجعيات السياسة؟!

ولكن طبيعة وظروف عملي الصحافي واهتماماتي الثقافية والأدبية منذ البدايات حددت تلك العلاقة التي نشأت مع الأديب والشاعر الياس أيوب الذي رحل منذ أيام والذي شاءت الظروف ان ألتقيه مرات عديدة سواء في مكتبه بطرابلس او في كوسبا – الكورة وغالباً ما كانت هذه اللقاءات ثنائية نتبادل فيها الحديث عن الأوضاع والتطورات والشؤون المحلية واللبنانية والعربية، ودائماً كان الأدب والشعر والنظرة الانسانية إلى الأحداث هي «ملح الطعام»، وغالباً ما كان ينضم إلينا العديد من الأصدقاء فالجلسات مع «أبي أيوب» ما كان لها ان تكون ثنائية مع كثرة محبيه ومع أبواب دارته المفتوحة للجميع.

وطبعاً تعددت لقاءاتي مع أديبنا وشاعرنا سيما وانه اشتهر بطيب الكلام وحلوه و«أناقته» في اختيار عباراته وكلماته في حواراته وأحاديثه التي لطالما ترجمت إلى مقالات لي في الصحف التي راسلتها وكتبت فيها على مدى ستين عاماً مضت.

عاشق اللغة العربية

«أبو أيوب» اشتهر بحبه بل بعشقه للعربية وإن سألته عنها يقول:

«درست اللغة العربية وتعمقت بواسطة المطالعة، فأحببت هذه اللغة هذه اللغة إضافة إلى كونها لغة آبائي وأجدادي، فأنا عربي، تحدرت من بني غسان وعائلتي من الأساس نزحت من حوران إلى لبنان، و«الغساسنة» قبيلة عربية لها مواقف، ولها تاريخ، وأنا أعتز بعائلتي، ولكني أردت ان ابني لنفسي مركزاً لا يبقى الاعتزاز معه بعائلتي فقط.

وهنا يستشهد شاعرنا بقول الشاعر خليل مطران:

وخير الناس ذو حسب قديم

أقام لنفسه حسباً جديداً

نظم الشعر مبكراً

وعن علاقته بالشعر يضيف: «الشعر يأتي بالفطرة، قد يقال انه يأتي عن طريق الإرث، وأذكر ان في عائلتي بعض الشعراء وربما تأثرت بهم ونظم الشعر في عمر مبكر، ولي قصائد عديدة منها ما نشر في الصحف والمجلات، ومنها ما غُني، وعلى سبيل المثال قصيدة «بردى» التي غنتها دورا بندلي، ومنها قصيدة «خمر» التي غناها وديع الصافي.

ويقول: «أنا لم انشر دواوين (وقت اجراء المقابلة) إنما قصائدي موجودة في بعض المجموعات الشعرية لكبار الشعراء ومنها قصيدة نظمتها بعنوان «قتلى جفونك» وهي منشورة أيضاً. ولي قصائد وطنية وفي الأمومة وفي الغزليات.

فلسفته ما بعد الموت!

وإذا سألته لماذا لم يجمع أو يطبع قصائده في ديوان! يجيبك: «أعد لنشر ديوان قريباً لكي أدخل إلى جميع البيوت عبر هذا الديوان، لأنه قيل «ولا تستطيع ان تزور الجاهل بعد موته إلاّ في قبره».

فآمل ان لا يضطر زائري لزيارة قبري بعد موتي، لذلك سأعد لهم كتابات لكي يستطيع من أراد ان يجدني في المكتبات وقراءة ما كتبت (وفي الحقيقة أنجز الياس أيوب هذه الرغبة قبل رحيله وأصدر بعض مجموعاته الشعرية التي وزّعها على الاصحاب والأصدقاء).

لن تدخل إلى جيبه ما لم تستطع الدخول إلى قلبه

ولا يخلو مجلسه من زائر جديد ليسأله عن نجاحه أو قدرته على الجمع بين عالمي الاقتصاد والشعر، وابداعاته في ارتجال الشعر. فيقول: «أنا اعتبرهما توأمين فأنت لا تستطيع ان تدخل إلى جيبه ما لم تستطع ان تدخل إلى قلبه، والدخول إلى القلب مرده إلى الظرف واللطف والذوق والشعور المرهف، والشعر سبيل مهم للدخول إلى القلوب، والموسيقى الشعرية هي عامل مهم جداً لتقريب الشاعر إلى الناس، وأظن ان حضور الشاعر يقربه من المجتمع فرداً فرداً.

وخصوصاً إذا كان يعيش في مجتمع يفهم ويتفهم اللغة العربية وآدابها وفنونها.

أذنه ليست بحاجة لوزن الشعر… فهي رنانة

يضيف: الشعر ليس هواية فحسب، إنما هو التعبير الصحيح عما يجول في عواطف الإنسان، في صدره، إن في الخير أو في الشر، أو في الفرح أو الحزن، والموضوع هو المهم، وعنذئذ يأتي اختيار القافية والبحر الشعري وانتقاء الكلمات والسبك، ومن كانت له أذن رنانة فهو ليس بحاجة لوزن الشعر فالأذن الرنانة كافية وحدها لتعرف إذا كان الشعر موزوناً، وأنا أفضل الشعر المقفى على الشعر المنثور وأصلاً لا اعتبر  ان الشعر المنثور هو شعر».

ويتابع: «في بعض الأحيان باستطاعتي ارتجال الشعر وهذا ناتج عن التمكن من اللغة والمطالعة المكثفة ومعرفة الصرف والنحو وأوزان الشعر والممارسة والتحسس بالمواضيع المنوي بلورتها شعراً،

كما أقول في عيد الأم:

يا شاعر الحسن بارك روعة العيد

ورقص الروض بالقيثار والعود

وعلم الناس والأجيال قاطبة

سر المحبة عند البيض والسود

واستهلم الوحي من تلك التي جعلت

من دونها الحب شيئاً غير موجود

هيا حبيبي فهذي الشمس قد طلعت

يد تربت والأخرى على جيدي

أمي نداء بأمي ما أردده

إلاّ وأرتاح من همي وتنهيدي

وعن موضوعات شعره يقول:

المناسب دائماً خلق الموضوع، ومن هذا النمط الشعري عندي الكثير الكثير، وإذا لم أقل انها تبلغ الآلاف فإنها بالتأكيد بالمئات.

وينتقي إحدى هذه المناسبات عند زواج الدكتور محمد زياد الجسر وكانت عروسه من مدينة حمص، فهنأ العروسين بكلمة منثورة، فاعترض البعض وطلب ان تكون التهنئة شعراً، فتجاوب مع هذه الرغبة، ببيتين من الشعر «البلدي» أرسلهما إلى والد العروس وهما:

عا حمص بعتنالكم نسر

ينقي الغادة الرقيقة

وهيدا منو أول جسر

يمتد عالشقيقة

شعري خاص بي

وتسأله بمن تأثر في الشعر؟ فيجيب: «أنا متأثر بجميع الشعراء ولكنني لست متأثراً بطريقة أو نوعية القصائد التي يختارها الشعراء، شعري هو خاص بي، انما أعجب بشعراء كثيرين، والمعاصرين منهم مثل الأخطل الصغير، يونس الابن، وأنا معجب بفوزي المعلوف، بشوقي، بخليل مطران، معجب بالشاعر القروي وايليا ابو ماضي، وشعراء سوريا والعراق ومصر، واللغة العربية غنية، مفرداتها كثيرة، تتفاعل كلماتها في الشعر أكثر من أية لغة أخرى، والموسيقى في الشعر العربي أهم منها في أية لغة كانت، لذلك في بعض الأحيان تأتي الترجمة من اللغات غير العربية إلى اللغة العربية على صعيد القصيدة أفضل من الأصل… وينشد:

أنا ما عرفت الجهل عهد شبابي

هل تعلمين مكامن الاسباب

تلك الظروف قضت  بأن أرقى الى

عمر الرجال بساعدي وكتابي

وربيت في بلد يسود ربوعها

قلب القوي قسا وشرع الغاب

ساعة في اليوم … للمطالعة

وعن أوقات قرضه الشعر وكتابته يقول: «الشعر عندي يأتي من تأثري ببعض المواضيع الاثباتية منها والمشتركة، الآنية والأزلية، أكتب الشعر مساء، فكل يوم هناك ساعة أتفرغ فيها للمطالعة وللكتاب، والمطالعة هي الينابيع الأزلية التي تغذي أدمغة الناس.

لست خصماً للنثر

وإذا سألته عن رأيه بالشعراء الجدد، يتنهد ويأخذ نفساً طويلاً… ويقول: «أنا مع كل من ينظم الشعر المقفى، ولكل رأيه، وضد رأي الذين يقولون ان القصيدة المنثورة هي الأفضل أو هي شعر، فالنثر هو النثر، والشعر هو الشعر. وضد تسمية المنثور شعراً ولكني لست خصماً له إذا كان يحتوي على المادة المرضية للقارىء.

شعرنا في الحب أحلى النغمات

ويطيب لشاعرنا في نهاية جلساته الحوارية والشعرية ان يختم الحوار، وهو الذي ختم حياته العامرة بالود وحب الناس وعشق الكلمة، ورحل من وسط محبيه، فيقول : «كنت يوماً في زحلة على ضفاف البردوني، وكنت مع زوجتي في الذكرى الأولى لشهر العسل وكان ذلك سنة 1962 وقلت:

احفظي يا زحل هذي الذكريات

لست أنسى انسها حتى الممات

يا مياه النهر دوماً رددي

شعرنا في الحب أحل النغمات

نحن نحيا والهوى يحيا بنا

وبغير الحب ما طعم الحيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.